OKBA NAMOUS المدير
عدد المساهمات : 579 تاريخ التسجيل : 22/09/2009 العمر : 34 الموقع : https://nassebrezina.yoo7.com
| موضوع: هل لإرادة الإنسان دور في بناء شخصيته ؟ السبت أكتوبر 24, 2009 11:42 am | |
| **************************** **************************** بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
هل لإرادة الإنسان دور في بناء شخصيته ؟
مقدمة: إذا كان العلم في القرنين التاسع عشر و العشرين أقر وجود حتميات فيزيائية و نفسية و اجتماعية تحدد سلوك الإنسان تحديدا مسبقا هل هذا يعني أن إرادة الإنسان لا دخل لها في تحديد سلوكه ؟ لكن إذا كان الإنسان هو الكائن الوحيد الذي ميزه الله بالعقل و الإرادة نتساءل إلى أي مدى يمكن للإرادة أن يكون لها دور في تحديد سلوك الإنسان و شخصيته ؟
العرض:الشخصية هي جملة من الخصائص الجسمية و الوجدانية و النزوعية و العقلية التى تحدد هوية الفرد و تميزه عن غيره من الناس (معجم جميل صلابيا) لقد انتبه بعض العلماء منذ العصر اليوناني القديم إلى العلاقة الموجودة بين بعض الصفات السلوكية و الصفات الجسمية و رأوا أن الصفات السلوكية تحددها الصفات الجسمية تحديدا يبعد كل قدرة للإنسان على اختيار سلوكه ويكون السلوك بذلك طبعا يرثه الإنسان مثلما يرث صفاته الجسمية و من أهم التصانيف القديمة تصنيف (أبوقراط) الذي قسم الأشخاص إلى أربعة نماذج كل نموذج يمثل طبعا معينا أما كيف يتحدد الطبع ؟ فقد رأى أن في جسم الإنسان أربع عصارات هي: الدم و البلغم و المرة الصفراء و المرة السوداء و كلما تغلبت عصارة معينة أعطت طبعا معينا فمثلا إذا تغلبت عصارة الدم كان الطبع دمويا ة إذا تغلبت عصارة البلغم كان الطبع بلغميا و في العصر الحديث أخذ علم الطباع بعدا موضوعيا أكثر بفضل الأعمال التى نشرها العالم النفسي الهولندي ج هيمانس 1930.1858 بمساعدة زميله وايزمه الذي رأى أن سلوك الإنسان يرجع إلى عاملين أساسيين وراثيين هما: الانفعالية و القابلية و هي قابلية الشخص للتأثر و الفاعلية و هي قابلية الشخص للتأثير غير أن هذين العنصرين إما أن يجدا عند الشخص ردا سريعا فيكون الشخص أوليا أو ردا بطيئا مع آثار عميقة في النفس فيكون الشخص ثانويا عرفت أعمال هيمانس انتشارا كبيرا في فرنسا على يد الفيلسوف لوسين 1954.1882 الذي اهتم اهتماما كبيرا بعلم الطباع و أكد على أن سلوك الإنسان طبع وراثي يولد به و يموت به و أن أي تغير في شخصيته يكون ضمن الطبع الموروث لا غير يقول " فيكون إذن من السهل التوصل إلى النتيجة القائلة أن الطبع ثابت و أن للإنسان نفس الطبع منذ بداية حياته حتى نهايتها " و يقول أيضا:" إن القول القائل بثبات الطبع لا يبطل الصيرورة النفسية بل يشير فقط إلى تأثرها بالسمات الدائمة للطبع " و يكون سلوك الإنسان في هذه الحالة خاضعا لنوع الطبع الموروث و ليس لإرادة الإنسان كذلك كان لازدهار علم وظائف الأعضاء و تقدم أبحاث البيولوجيا في العصر الحديث فضل كبير في الكشف عن الدور الذي تلعبه الغدد و الهرمونات في تحديد سلوك الإنسان إلى جانب الجملة العصبية ليفسر سلوك الإنسان تفسيرا علميا (بالأسباب الفاعلة التي كلما تكررت، تكررت معها نفس الظاهرة بعيدا عن كل تأثير فلسفي ميتافيزيقي فزيادة نشاط الغدة الدرقية مثلا يجعل الفرد قلقا سريع الانفعال أما إذا قل فهو يميل إلى الخمول و البدء في الحركة و التفكير و التذكر كذلك تلعب هرمونات الأنوثة أو الذكورة دورا في تحديد الدافع الجنسي لدى الشخص فإذا زاد عمل هذه الغدة فإن المرء سيبدي دافعا جنسيا قويا قد يصعب عليه التحكم فيه و قد فسرت الكثير من الجرائم اليوم تفسيرا بيولوجيا حيث أبطلت فكرة إرادة الإنسان و قدرته على اختيار سلوكه و يصبح سلوك الإنسان بذلك نتيجة لعامل كيميائي بيولوجي لا غير و تكون للوراثة التى تحدد النشاط العضوي و النفسي الدور الكبر في ذلك، كذلك أبطل علماء الاجتماع دور إرادة الإنسان في توجيه السلوك و أرجعوه إلى البيئة الاجتماعية و المحيط الثقافي و أكدوا دور التربية التي تلقاها الشخص و العادات و التقاليد التي اكتسبها حيث يذوب الأنا الفردي في الأنا الاجتماعي الذي يتكون من المظاهر الاجتماعية التى تغوص داخل كيانه و تكون بمثابة الهيئة الثابتة التى ترجع إليها كل تصرفاته فيمتص "النحن" "الأنا" و تصبح شخصية الفرد صورة لشخصية الجماعة. إن الظاهرة الاجتماعية التى تتصف عند دوركايم بالقهر و الإلزام تفرض على الفرد نوعا من القهر يجعله يستسلم لها و يضحي بفرديته من أجلها حتى قيمنا الأخلاقية التى نحكم بها على الأفعال فنقول أنها خير أو شر هي تطبيق لأوامر المجتمع يقول:"إذا تكلم الضمير فينا فان المجتمع هو الذي تكلم".أما فرويد فقد أقر أن السمات الأساسية للشخصية توضع أصولها في مرحلة الطفولة
لا يمكن لنا في عهد العلم و التجارب العلمية أن ننفي دور العوامل الاجتماعية و البيولوجية في تحديد سلوك الإنسان غير أن الشخصية التى تعبر عن السلوك الإنساني تتعداها إلى شيء آخر لا نجده إلا في الإنسان هو عقله منبع إرادته إذا كان العلم الذي يدرس المادة و عالم المحسوسات يدير ظهره إلى كل ما هو معنوي و روحي متهما إياه أنه ميتافيزيقي لا علاقة له بالواقع و الحقيقة لا يعترف بدور إرادة الإنسان في توجيه سلوكه فانه عاجز عن إثبات عدم وجودها ولا يعني هنا أننا نجعل من الإرادة الموجه الوحيد لسلوك الإنسان كما فعلت الرواقية قديما حيث نظرة إلى الإرادة على أنها القدرة على التحكم في الذات و السيطرة على النفس و الاستقلال عن كل قوة خارجية و لا نقول مع ديكارت إن لنا إرادة حرة قادرة على القبول أو الرفض كيفما نشاء و لا مع سارتر أن الشخصية ليس سوى ما يصنعه الشخص بيده و لكن نقول أن لإرادة الإنسان دورا هما في توجيه سلوكه و هذا الدور يتحدد بمقدار قوة الإرادة في مواجهة الظروف و الأسباب و إذا أردنا فهم سلوك الإنسان يجب ألا ننفي دور الإرادة في تحديده و إلا تعذر علينا أن نفهم لماذا نفس العوامل البيولوجية لا تعطي لنا نفس الشخصية ؟، و لماذا استطاع البعض الإفلات من العوامل الاجتماعية بينما سقط الآخرون في حبالها ؟.
إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يخضع للعلية وحدها إرجاع سلوكه للأسباب الفاعلة و نفي كل إرادته يعني جعله شيئا مثل غيره من الأشياء إلا أنه ليس شيئا و لا يمكنه أن يكون شيئا و لن يكون شيئا إلا إذا تخلى عن طبيعته كإنسان فكم من مناسبة عبر فيها الإنسان عن إرادته القوية في توجيه مجرى حياته فبعد أن كان واقعا مثلا تحت عادة التدخين التي اكتسبها و تعود عليها جسمه الذي أصبح يطالبها بإلحاح استطاع أن يبطلها هكذا فهناك من الأشخاص من لا يستسلم للظروف بل يتعداها فيغير حياته و يوجهها الوجهة التى تعبر عنه كانسان يريد أن يعبر عن قدرته عن الاختيار و رفضه للاستسلام ففي الوقت الذي يعيش غيره حياة عادية يستسلمون فيها للعوامل الخارجية و الداخلية نجدهم يركزون انتباههم على هذه الظروف يحللونها ليقفوا على عيوبها فتخلق عندهم الرغبة في تغييرها بعد أن يتأكدوا من ضرورة هذا التغيير يقول بارولد " إن الاستعداد للانتباه هو المنبع الوحيد و المركز الحي للأنا " فكم من مشلول اليدين تغلب على العوامل البيولوجية و كتب و رسم بأصابع أرجله أروع من أن يكتب أو يرسم و لا نشك أن حياته تلك ليست الحياة التى يريدها لنفسه ولكن الحياة التى استطاع أن يريدها ضمن هذه العوامل الفاعلة فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يصارع الظروف و يتصدى لها و ما نشاهده اليوم من انتصار للفردية على الجماعة في أوروبا لدليل قاطع على إمكانية تغلب الأنا على النحن و دور كايم نفسه اعترف في أواخر أيامه بميل الأمم المتقدمة نحو الفردية و الحرية في اختيار السلوك، إن العلم الذي لا يدرس إلا الماديات سيضل رغم ما حققه من انتصارات عاجزا عن فهم سلوك الإنسان فهما حقيقيا كاملا إلا إذا اعترف بالإرادة و العقل فيتحدى المعنوي بالمادي و المادي بالمعنوي من أجل فهم الإنسان.
الخاتمة: و هكذا نستنتج أننا و إن كنا لا نستطيع إنكار دور العوامل البيولوجية و الاجتماعية في توجيه السلوك تبقى لإرادة الإنسان الدور الأكبر الذي بدونها لا يكون الإنسان إنسانا
********************************** ********************************** عقبة ناموس ثانوية الشهيد امحمد قنيبر بريزينة ********************************** ********************************** | |
|