****************************
****************************
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
هل المعرفة شرط كاف في إلحاق المسؤولية بالشخص ؟
المقدمة: الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتحمل نتائج أعماله، المشكل المطروح ما هي شروط هذه المسؤولية ؟ إذا كان الطفل الصغير و المجنون ليسا مسؤولين عن الأعمال التي تصدر منهما فهل هذا يعني أن المعرفة شرط إلحاق المسؤولية بالشخص ؟ و إذا كان ذلك كذلك هل هي الشرط الوحيد أم هناك شروط أخرى ؟
العرض:المسؤولية هي تحمل نتائج الأعمال و قد تكون على شكل لوم أو عقاب يلحق بالشخص عند مخالفته للقانون و هذا اللوم أو العقاب إما أن نشعر به داخل أنفسنا وهذه هي المسؤولية الأخلاقية التي يحملها لنا الضمير أو تسلط علينا من الخارج و هذه هي المسؤولية الاجتماعية التي يحملها لنا المجتمع لكن ليس كلما كان هناك شخص و مخالفة للقانون كانت المسؤولية.
فمثلما سبق أن بينا، لا يتحمل الطفل الصغير نتائج أعماله و لا تلحق به التبعة لغياب النضج و كذلك المجنون لغياب الوعي فغياب النضج و الوعي يجعل صاحبه غير قادر على التمييز بين الخير و الشر، كيف يميز بينهما و هو لا يعرف ما هي الأفعال التي توصف بالخير و ما هي الأفعال التي توصف بالشر و لا يعرف النتائج الحسنة أو السيئة التي تترتب على الأفعال و التصرفات فتوصف أنها خير أو شر يقول الرسول (ص):"رفع القلم على ثلاثة: الصبي حتى يحتلم، و المجنون حتى يعقل، و النائم حتى يستيقظ." هكذا يولد الإنسان و هو لا يعرف ما هو الخير و ما هو الشر و ما يجب القيام به و ما لا يجب ثم يبدأ يتعلم شيئا فشيئا طبقا للتربية التي يتلقاها إلى أن يصل إلى السن التي تمكنه من التمييز بين الأفعال، وقد حدد القانون سن الرشد في غالب الأحيان بسن الثامن عشر من عمر الإنسان، قبلها يكون الآباء مسؤولين عن الأفعال التي تصدر من أطفالهم بصفتهم مسؤولين عنهم و عن تربيتهم كذلك هناك من الأفراد من بلغ سن الثامن عشر لكنهم لا يعدون مسؤولين و قد يكونون مسؤولين ثم ترفع عنهم المسؤولية، مثلما يحدث في الحالة التي يفقد فيها الإنسان وعيه و قدرته على معرفة ما يترتب عن أعماله من نتائج لإصابته بمرض عقلي أو نفسي و قد ذكر الطب النفسي أمراضا عديدة يمكن للإنسان فيها أن يفقد وعيه و قدرته على التمييز بين الأعمال و تأخذ هذه الأمراض بعين الاعتبار من طرف المحكمة عند إلحاق المسؤولية بالشخص و تحديد العقوبة.
غير أن ما نعيه هنا بالمعرفة ليس معرفة القانون فبين النضج و الجهل فرق كبير، إن الإنسان الناضج و العاقل لا يحميه القانون إذا كان جاهلا له إذ من الواجب معرفته بصفته فردا في المجتمع تنظم العلاقات فيه قوانين يجب احترامها فلا يمكن للشخص البالغ و العاقل أن يقود السيارة و هو جاهل لقانون المرور و إذا فعل و ارتكب حادثا فإن جهله لقانون المرور لن يحميه، يقول المعتزلة:"إذا كان الإنسان غير متمكن من أن يعرف بمعنى استحالت عليه المعرفة فهو ليس مسؤولا أما إذا كان بإمكانه أن يعرف و لم يعرف فإذا كان لا يعفيه من المسؤولية و يكون بذلك قد ارتكب معصيتين: الأولى فعله القبيح و الثانية جهله لقبحه و إن كان المخطئ الذي يعرف القانون مسؤولا أمام القانون أكثر من الذي لا يعرفه إذ كلما زاد قصده في ارتكابه الجريمة زادت مسؤوليته و كلما قلت معرفته قل قصده و قلت مسؤوليته أما من الناحية الأخلاقية فهو لا يعد مسؤولا إذا لم يقصد ارتكاب الشر،
ولكن ليست معرفة الخير و الشر و التمييز بينهما الشرط الوحيد في إلحاق المسؤولية بالشخص إذ قد لا يكون الإنسان مسؤولا و إن ثبت نضجه العقلي لسبب واحد أنه فقد القدرة على الاختيار عند قيامه بالفعل فالجندي الذي يقوم بالعمل امتثالا للأوامر، لا يتحمل ما يترتب على هذا العمل من نتائج لأنه لليس صاحب القرار فيه لذلك نجد المعتزلة يجعلون من وجود المسؤولية دليلا على وجود الحرية كذلك جعل كانط من الحرية أساس سلم به لبناء عالمه الأخلاقي الذي لا يكون فيه الإنسان مسؤولا، إلا إذا كان حرا وتغيب حرية الإنسان و قدرته على الاختيار إذا وقع تحت ضغط خارجي المتمثل في الضغوطات الاجتماعية أو الداخلي المتمثل في العقد و الأمراض النفسية،
يقول توفيق الشاوي:"أن الفكرة الأساسية لدى جمهور المشرعين و الفلاسفة هي أن الإنسان متى بلغ درجة معينة من العقل و الإدراك و حيرة الاختيار يعتبر مسؤولا مسؤولية أدبية و أخلاقية عن تصرفاته بحيث يستحق أن يتحمل الجزاء الذي يفرضه الدين أو الأخلاق أو القانون عن الأعمال التي يرتكبها." لم يجد التشريع في الماضي بدًا من الإقرار بحرية إرادة الإنسان من أجل أن يلحق به العقاب مثلما يرى نيتشه و لم يعلن عن حالات يمكن للإنسان أن يفقد فيها حريته و قدرته على التمييز إلا في القرن التاسع عشر بفضل تطور العلوم الإنسانية خاصة علم النفس و علم الاجتماع في سنة ألف و ثمانمائة و عشر القانون الجنائي الفرنسي في المادة أربعة و ستين، يعلن محددا الحالات التي لا يمكن فيها الإنسان مسؤولا عن أعماله:" ليس هناك جريمة، أو مخالفة، لما يكون المتهم في حالة اختلال عقلي عند ارتكاب الفعل أو لما يكون مجبرا بقوة لم يستطع مواجهتها." و إن كان غياب القدرة على الاختيار لا تلغي تماما مسؤولية الإنسان الذي يبقى دائما يحمل مقدارا من الإرادة و الاختيار بصفته الكائن العاقل فالقوانين التشريعية في لعصر الحديث لا تلغي مسؤولية الإنسان إلا في حالات نادرة و إن كانت هذه المسؤولية تحدد تبعا لقدرة الشخص على الاختيار التي يعد تحديدها من مهام المحكمة.
الخاتمة: هكذا نستنتج أن المعرفة لا تكفي لجعل الإنسان مسؤولا و إنما يجب أن تكون لديه القدرة على الاختيار أيضا فيصدر الفعل من إرادته الحرة الم تعرف المسؤولية بأنها تحمل المرء لأعماله ؟
**********************************
**********************************
عقبة ناموس
ثانوية الشهيد امحمد قنيبر بريزينة
**********************************
**********************************