هل التجربة شرط في كل معرفة ؟

****************************
****************************
بسم الله الرحمان الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

هل التجربة شرط في كل معرفة؟

المقدمة:إذا كان تاريخ العلم مرتبطا بظهور المنهج التجريبي الذي مكن العلماء من التحقق من صدق فروضهم، هل هذا يعني أن التجربة شرط المعرفة العلمية ؟ في هذه الحالة، ماذا نقول عن المعرفة الرياضية التى تعتبر معرفة علمية، و لا تقوم على التجربة ؟ و المشكل المطروح هل المعرفة العلمية بالضرورة معرفة تجريبية أم لا ؟

التحليل:يبدأ العلم بحثه بملاحظة ظاهرة غريبة فيتساءل عن سبب ظهورها، عندما يحاول أن يجيب عن السؤال، و يكون هذا الجواب مؤقتا يحتمل الصدق و الكذب الى أن ينزل به الى المخبر ليجربه، وتكون التجربة بذلك عملية التحقق من صحة أفكارنا أو عدم صحتها، عن طريق إعادة بناء الظاهرة من جديد في ظروف اصطناعية بواسطة الفرض. فلما لاحظ كلود برنارد أن بول الأرانب التى اشتراها من السوق صاف و حامض، وهاتان الصفتان خاصتان بآكلات اللحوم، في حين أن الأرنب آكل عشب، يجب أن يكون بولها عكرا قلويا، افترض أن الأرانب جائعة، و أكلت من أحشائها الداخلية. لكي يتأكد كلود برنارد من فرضه هذا، أطعم الأرانب العشب، فكان بولها عكرا قلويا، ثم تركها جائعة مرة أخرى ( وهذا هو الفرض الذي افترضه ) فأصبح بولها صافيا حامضا، ( وهذه هي الظاهرة التى لا حظها و قد أعاد بناءها بواسطة الفرض الذي استنتجه من الظاهرة نفسها ).
غير أن العالم لا يقوم بتجربة واحدة، وإنما يكرر التجربة عدت مرات مع تغيير شروطها للتحكم في ها أكثر. كما يعمد الى تحليل الظاهرة المركبة، و عزل مختلف شروطها لتبسيطها. فإن كانت الظاهرة في الطبيعة قد تختلط بغيرها من الظواهر، فإن العالم في المخبر يعمل على حذف الشروط التى لا تهمه، ليحتفظ فقط بالعناصر الأساسية للظاهرة التى يشير إليها الفرض، والتي توجد في كل الحوادث التى لها نفس الخاصية، مما يمكنه من استخلاص النتائج ثم تعميمها على كل الأجزاء. وإذا توقف العالم عند مرحلة الفرض، و لم يستطع ان يثبت صحته في الواقع، فإن عمله لا يدرج ضمن المعارف العلمية، لان العقل إذا كان يبني الأفكار، فان الواقع هو الذي يحكم عليها إذا كانت صادقة أم لا. إن صحة المعرفة العلمية متوقفة على عدم تناقض الفكر مع الواقع، الأمر الذي لا يمكن التأكد منه إلا باستعمال التجربة المخبرية.
يقول كلود برنارد " إن الملاحظة هي جواب الطبيعة الذي تجود به دون سؤال، لكن التجربة هي استنطاق الطبيعة." و يرى جون ستوارت مل (1806/1873) أن الملاحظة العلمية إذا كانت تثير فينا تساؤلات، فان التجربة قادرة على تقديم الإجابة الحاسمة لها.

ما يبدو واضحا لنا أن الإنسان و كأنه جعل من بلوغ المعرفة العلمية الصحيحة هدف وجوده و غايته. و كان عليه أن يعرف معيار هذا الصدق، فكان جوابه أن الصدق هو عكس التناقض، و كان قانونه ان المعرفة لا تكون علمية إلا إذا كانت خالية من التناقض، غير أن التناقض نوعان: تناقض الفكر مع الواقع، وتناقض الفكر مع نفسه. وإذا كانت المعرفة في العلوم الطبيعية و الإنسانية، تجعل من التجربة وسيلة لتحقيق شرط عدم التناقض أحكامها مع الواقع، بل تجعلها تتطابق معها، مادام الحكم يعود الى الواقع، فان المعرفة العقلية التى تمثلها الرياضيات و المنطق، لا تستعمل التجربة لتتحقق من فروضها بصفتها علما مجردا، وإنما تستعمل البرهان العقلي، الذي يجعل الفكر لا يتناقض مع المبادئ و الفرضيات التى وضعها. فإذا قلنا في الرياضيات أن مجموع زوايا المربع 360درجة، فإننا لم ننقل هذا الحكم من الواقع كما يحدث في الفيزياء، وإنما استنتجناه استنتاجا منطقيا من المسلمة التى تقول أن مجموع زوايا المثلث 180 درجة، وإذا كان المربع هو ضعف المثلث، كانت مجموع زواياه تساوي 360 درجة،
غير أن الرياضي في بنائه للمعرفة الرياضية وإن كان يستعمل منهجا يختلف عن المنهج الذي يستعمله الفيزيائي فإنه يمر بنفس الخطوات التى يمر بها العالم الطبيعي، فهو أولا يشعر بوجود مشكلة تستوجب الحل، لم يحددها و عندما يستخلص الفروض الممكنة، التى لا يتوقف عندها، وإنما يحاول التحقق منها بالبرهان العقلي. هذه المعرفة التى يبينها الرياضي لا تقل قيمة عن المعرفة التى يبينها الفيزيائي، إذ كلاهما قبل ان يستخلص النتائج يتحقق من صحتها و إن كانت عملية التحقق في العلوم التجريبية مخبرية، و في الرياضيات برهانيه فإن غايتها واحدة هي الوصول بالفكر الى حكم خال من التناقض.

الخاتمة:هكذا نستنتج أن التجربة شرط أساسي في المعرفة العلمية لكنها ليست الشرط الكافي، فالمعرفة العلمية العقلية تقوم على البرهان العقلي، و ليس على التجربة.
لنقل في النهاية أن المعرفة نوعان معرفة علمية تجريبية و معرفة علمية عقلية.

**********************************
**********************************
عقبة ناموس
ثانوية الشهيد امحمد قنيبر بريزينة
**********************************
**********************************